غالباً ما يقع بعض الناس بالتناقض بين كلامهم وبين ما يعتمر دواخلهم من مشاعر وافكار، لذلك يلجأ بعضهم لإخفاء حقيقة تلك المشاعر والافكار أو التحايل عليه بالحديث بطريقة منمقة لا تخلو من المجاملات، ولكن عندما تتناقض مشاعر الانسان الداخلية مع ذلك الكلام المغلف بما لذ وطاب من معسول الكلام، يتصدى الجسد وبلغته الخاصة(الحركات وايماءات) بفضح وكشف ذاك التناقض.
وهو الأمر الذي يعرفه الخبير الدولي في لغة الجسد(آلن بيز) ضمن ترجمة أفكار الآخرين من خلال ايماءاتهم بالاتصال غير الشفهي.
ويشار إلى أن آلن بيز مؤلف كتاب "لغة الجسد: كيف تقرأ أفكار الآخرين من خلال ايماءاتهم؟" عمل في انتاج الافلام والكتب والكاسيتات التي تستخدمها مؤسسات متعددة في انحاء العالم لتدريب موظفيها في مجال مهارات الاتصال.
وأشار بيز في مقدمة كتابه "لغة الجسد" إلى أن هذا المجال يهم الأشخاص الذين يتعاطون في مهنة البيع كمديري المبيعات والموظفين الاداريين كما يهدف كتابه إلى جعل القارئ أكثر وعيا بالنسبة لأدواره واشاراته غير الشفهية التي يتعين عليه تمثيلها.
وكلما زادت معرفة الفرد وخبرته في مهارات الاتصال ومن ضمنها لغة الجسد وايماءات الوجه كلما كان هناك تواصل بناء مع الآخر. وتعرف استاذة علم الاتصال والاعلام في جامعة فيلادلفيا د. رزان جدعان التواصل بأنه عملية تبادل المعلومات بين مرسل ومستقبل ومن ثم تحليلها لافتة إلى أن التواصل يعكس واقع العلاقات الانسانية وتفاعلاتها مع بعضها بعض.
وتعرف جدعان التواصل غير اللفظي قائلة "هو كل ما يستخدمه الانسان طبيعيا أو صناعيا للتعبير دون استخدام لغة الكلام لفظا أو كتابة"، وهو ما تدرجه جدعان ضمن لغة الجسد أو كما تسميها اللغة الصامتة بشقيها حركات الجسد وايماءات الوجه.
وفي حين تشكل لغة الجسد أداة فعالة لفضح أكاذيب اللسان في بعض الاحيان، قد تكون لغة الجسد الأصدق في التعبير عن المشاعر الداخلية للإنسان.
وهو ما تركز عليه د.جدعان من خلال مقارنتها بين التواصل اللفظي والتواصل غير اللفظي، وتبين جدعان ان عملية التواصل اللفظي تقوم على بناء معلومات مدروسة ومخطط لها تتيح للانسان فرصة توصيل الرسالة التي يريد توصيلها.
أما التواصل غير اللفظي فتوضح جدعان أنه يعد أكثر تعبيرا عما يجول في داخل الانسان من التواصل اللفظي، لأن التعبير بحركات الجسم وايماءات الوجه امر غريزي وفطري، غير مخطط له ولهذا يعبر عنها بطريقة أصدق من التواصل اللفظي.
وفي حين يستطيع بعض الناس السيطرة على ايماءاتهم وحركات جسدهم لبعض الوقت، الا انه يصعب عليهم السيطرة عليها كل الوقت، وبحسب جدعان فإن هذا الأمر يعتمد على مدى خبرة الشخص في هذا المجال ومدى وعيه.
وتدرج جدعان لغة الجسد تحت بند التواصل غير اللفظي، وترى أن التعبير بحركات الجسد أو ايماءات الوجه ما هو إلا رد فعل فوري وسريع للظرف الذي يتواجد فيه الإنسان، وتعتبر أن هذه الحركات او الايماءات مكملة في كثير من الأحيان للغة المنطوقة.
وتعتبر جدعان أن لغة الجسد ضمن الاتصال غير اللفظي مكملة للتواصل اللفظي، وتصنف ذلك في عدة أدوار، منها الدور المؤكد ووعنه تقول " تلعب لغة الجسد دوراً مؤكدا للتواصل اللفظي عندما تأتي حركات الجسد مؤيدة للكلام كهز الرأس مثلاً".
وتتابع جدعان تصنيفها منتقلة إلى دور آخر وهو المناقض وتشرح" ويظهر هذا الدور عندما تكشف لغة الجسد التناقض بين الحديث والمشاعر الداخلية،عندها تأتي حركات الشخص وايماءاته مناقضة لحديثه".
ومن الأدوار الأخرى ايضاً "دور الاستبدال" عندما تغني لغة الجسد عن استخدام الكلام، و"دور التعديل" عندما يتم تعديل مضمون الحديث بتعبير غير لفظي او اشارة معينة.
وبحسب ما جاء في موقع "ميدل أيست أون لاين" فقد كشف باحثون هولنديون أن لغة الجسد تعد أكثر بلاغة في تشكيل الانطباعات الأولى عن الحالة العاطفية والنفسية للإنسان، حتى وإن تركز الانتباه على تعبيرات الوجه فقط.
وقام الخبراء في جامعة تيلبيرغ، بعرض مجموعة من الصور لرجال ونساء يعبرون عن مشاعر الخوف والغضب بوجوههم وأجسادهم، على 12 شخصا، وقياس نشاط الدماغ الكهربائي لديهم، طلب منهم التركيز على الوجه في الصور، وتحديد المشاعر بدقة من النظرة الأولى.
ووجد هؤلاء أن حكم المشاركين من تعبيرات الوجه على الصور، التي يظهر فيها الوجه والجسد بمشاعر متناقضة، كان خاطئا، وكان أكثر ارتباطا بتعبيرات الجسد.
وقال الباحثون إن الدماغ يمتلك آلية عصبية حساسة، تعمل للتناسب بين تعبيرات الوجه ولغة الجسد، ويمكنه تقويم ومعالجة تلك المعلومات بسرعة.